تعد جرائم الاحداث واحدة من اخطر المشكلات الاجتماعية وذلك كونها تستهدف فئة سكانية مهمة في طريقها الى الجريمة والانحراف وهي فئة الاحداث وهذه الفئة يعول عليها بناء مستقبل المجتمع, وإذ ما اجرمت تلك الفئة فأنها تنذر بمستقبل خطير لذلك المجتمع الذي تعيش فيه , فهي كانت وما تزال وستبقى موضوعا خصبا للباحثين باعتبارها مشكلة طالما عانت منها مختلف دول العالم باختلاف مستوياتها وذلك لما تنطوي عليه هذه المشكلة من مضاعفات تساهم في تأخير عجلة تقدم المجتمع وتطوره , فمشكلة جرائم الأحداث تعددت وتنوعت بتعدد العوامل المسببة لها واختلاف وجهات نظر الباحثين والمختصين فيها , حاولت هذه الدراسة تقديم معطيات تشكل حافزا لمعالجة هذه الظاهرة أو على الأقل التخفيف من منها.
مشكلة الدراسة : تتمثل مشكلة الدراسة تتمثل بسؤال رئيس مفاده ما المتغيرات البشرية والديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية ذات الصلة بتباين مستوى جرائم الاحداث في محافظة المثنى ؟ومن الطبيعي أن تنبع من المشكلة الرئيسة مجموعة من المشاكل المتفرعة منها والتي لا تتعارض معها .
فرضية الدراسة :
تفترض الدراسة أن هناك جملة من المتغيرات البشرية والاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية ذات الأثر الكبير في تباين جرائم الاحداث في محافظة المثنى وتتفرع من تلك الفرضية جملة من الفرضيات الثانوية والتي لا تتعارض معها ايضاً .
هدف الدراسة : تسعى الدراسة لتحقيق الاهداف التالية :
- معرفة حجم جرائم الاحداث في محافظة المثنى والمسار الزمني لهذه الجرائم .
- التعرف على التوزيع المكاني لهذه الجرائم .
- معرفة الخصائص الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية للإحداث المجرمين في محافظة المثنى .
- تشخيص الأسباب والدوافع التي تقف وراء تلك الجرائم .
- توظيف تقنية نظم المعلومات الجغرافية (GIS) في دراسة تلك الجرائم .
- وضع التوصيات وسبل الوقاية من هذه الظاهرة التي قد تسهم في معالجة تلك الجرائم.
- رصد جرائم الاحداث رصداً جغرافياً لإظهار التباين المكاني لها في منطقة الدراسة ومن ثم البحث عن الأسباب التي تؤدي إلي ذلك.
- توضيح دور الجغرافية كعلم عصري مواكب ومساهم في حل المشكلات اليومية التي يعاني منها أي مجتمع.
منهجية الدراسة واساليبها : تم استخدام المنهج الوصفي – التحليلي ولم يهمل الباحث المنهج التاريخي لمتابعة التغير الزمني للظاهرة والمنهج السلوكي الذي يفسر سلوك الافراد والجماعات وقد استعانت الدراسة بالأساليب الإحصائية لما لها من أهمية في اظهار النتائج وتعزيزها وكما يلي :
أ- الأساليب الإحصائية: وتتمثل في أساليب التحليل الكمي باستخدام الحاسوب الآلي وهو أسلوب يستخدمه الباحث في تطبيق معامل الارتباط لحساب العلاقة بين المتغيرات الجغرافية والجريمة وتحليلها وعرضها واستخلاص النتائج فيها واستخدام بعض البرامج الإحصائية.
ب-الأساليب الكارتوغرافية : أستخدمت هذه الأساليب في تقديم مجموعة من الخرائط والرسوم والأشكال البيانية التي لها أهمية كبيرة في عرض نتائج البحث وإظهارها .
جـ- استخدام نظم المعلومات الجغرافية (GIS) : استخدمت نظم المعلومات الجغرافية في رسم الخرائط ومعالجة البيانات التي حصل عليها الباحث وتحليل الجريمة وكذلك تناولت الدراسة التطبيقات الأمنية لنظم المعلومات الجغرافية في تحليل ورصد ومكافحة الجريمة في منطقة الدراسة .
أسباب أختيار موضوع الدراسة :
- التزايد المستمر لجرائم الاحداث في محافظة المثنى وما تسببه من انعكاسات اجتماعية خطيرة على مجتمع منطقة الدراسة .
- تعد هذه الدراسة الأولى التي تدرس جرائم الاحداث وخصائص مرتكبيها من وجهة نظر جغرافية في محافظة المثنى.
3- حداثة موضوع جغرافية الجريمة ورغبة الباحث في تناول موضوع غير تقليدي بالبحث والدراسة.
4- تحليل جرائم الاحداث بمنطقة الدراسة ومعالجتها معالجة مكانية، إذ تغيب هذه المعالجة مقارنة بالمعالجات الاجتماعية والقانونية.
5- توجيه النظر للجهات المنوط بها تحقيق الأمن ومكافحة الجريمة إلى الدور الفعال لعلم الجغرافيا في هذا السياق.
6- التأكيد على أهمية الجانب التطبيقي لعلم الجغرافيا وتأكيد مسايرته للأحداث التي تدور حوله ودوره في معالجة قضايا المجتمع
7- تسليط الضوء على البعد الأمني من منظور جغرافي.
حدود الدراسة : تتحدد حدود الدراسة المكانية بمحافظة المثنى التي تقع في الجزء الجنوبي الغربي من العراق إذ يحدها من الشرق محافظة ذي قار و محافظة البصرة ومن الشمال محافظة القادسية ومن الغرب محافظة النجف ومن الجنوب والجنوب الغربي المملكة العربية السعودية وتبلغ مساحة المحافظة (51740) كم2 وتضم المحافظة (12) وحدة أداريه وتشكل خمسة أقضية هي (السماوة والرميثة والخضر والسلمان والوركاء ) ،أعتمد على تحديدها أساساً إدارياً وعدد سكانها بلغ (824831) نسمة حسب التقديرات السكانية لعام 2017 أما الحدود الزمانية للدراسة امتدت (2008- 2017 ) وهي المدة الزمنية التي تيسر للباحث فيها الحصول على الإحصاءات الرسمية المطلوبة في منطقة الدراسة وقد تم الحصول عليها من قبل رئاسة محكمة استئناف المثنى الاتحادية / محكمة الاحداث وقيادة شرطة المثنى ومديرية شرطة الاحداث .
هيكلية الدراسة : تتمثل هيكلية الدراسة بستة فصول تسبقها المقدمة والخطوات الأساسية للدراسة تناول الفصل الأول المتغيرات الجغرافية البشرية لمنطقة الدراسة ودورها في جرائم الاحداث والفصل الثاني خصص لدراسة التحليل الزمني لجرائم الاحداث في محافظة المثنى في حين ركز الفصل الثالث على التحليل المكاني لجرائم الاحداث أما الفصل الرابع تناول الخصائص الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية للأحداث المجرمين وأشار الفصل الخامس الى عوامل جرائم الاحداث واثارها الاقتصادية والاجتماعية والأمنية أما الفصل السادس فقد سلط الضوء على التحليل الخرائطي والاحصائي لجرائم الاحداث واختتمت الدراسة بجملة من النتائج والمقترحات التي قد تسهم في معالجة تلك الظاهرة الخطيرة .
وقد استطاعت الدراسة الاجابة على جميع التساؤلات وأثبات الفرضيات المذكورة وتوصلت الدراسة الى عدة نتائج أهمها :
ان الاتجاه العام لجرائم الاحداث يشير الى الارتفاع على الرغم من ان هناك تفاوت بسيط بين سنوات الدراسة إذ بلغ عدد جرائم الاحداث خلال سنة الشروع عام 2008 (115) جريمة شكلت نسبة قدرها (5.9%) من اجمالي جرائم الاحداث في محافظة المثنى لتصل الى (312) جريمة خلال عام 2017 وشكلت نسبة قدرها (16.2%) من اجمالي جرائم الاحداث المسجلة في محافظة المثنى .
تصدر مركز قضاء السماوة المرتبة الأولى من بين الوحدات الإدارية المكونة لمنطقة الدراسة على مستوى اجمالي جرائم الاحداث المسجلة في المحافظة طوال مدة الدراسة وعلى مستوى أنواع تلك الجرائم ويرجع ذلك الى عدة أسباب أهمها أن مركز قضاء السماوة هو مركز محافظة المثنى ومركز للثقل السكاني
بلغ عدد الاحداث المجرمين الذكور (1904) حدث وشكل نسبة قدرها (97,6%) من اجمالي الاحداث مرتكبي الجرائم في حين أن نسبة مساهمة الاحداث من النساء في الجريمة بلغت (47) حدث طوال مدة الدراسة وشكلت نسبة قدرها (2,4%) من اجمالي فئة الاحداث المجرمين في المحافظة .
بينت الدراسة أن نسبة جرائم الاحداث الحضر المرتكبة في محافظة المثنى الى نسبة جرائم الاحداث الريف بلغت (59,3%) في حين بلغت نسبة مساهمة فئة الاحداث من الريف (40,7%) من اجمالي جرائم الاحداث المسجلة في محافظة المثنى طوال مدة الدراسة .
اثبتت الدراسة أن اكثر الفئات العمرية ارتكاباً لجرائم الاحداث في محافظة المثنى هي الفئة العمرية مابين 15- اقل من 18 سنة فقد بلغت عدد الاحداث المجرمين من هذه الفئة (1493) حدث وشكلوا ما نسبتة (76.5%) من اجمالي الاحداث المجرمين واقل الفئات العمرية هي الفئة من (9- أقل من 12 سنة ) فقد بلغ عدد الاحداث المجرمين من تلك الفئة (53) جريمة وشكلت نسبة قدرها (2,7%) من اجمالي الاحداث المجرمين في محافظة المثنى .
أوضحت الدراسة أن المستوى التعليمي يتناسب عكسياً مع حجم الجريمة والانحراف لدى الاحداث في محافظة المثنى إذ أن كلما أرتفع المستوى التعليمي كلما أنخفضت جرائم الاحداث في منطقة الدراسة.
اظهر معامل ارتباط بيرسون أن هناك علاقة ارتباط طري قوي ذات دلاله إحصائية بين حجم السكان من فئة الاحداث وبين عدد الجرائم بأنواعها أذ كلما ارتفع الحجم السكاني في الوحدات الإدارية ارتفع معه حجم الجريمة والانحراف .
بين الدراسة أن البطالة كأهم العوامل الاقتصادية المؤدية الى جرائم الاحداث في محافظة المثنى أذ بلغ نسبة جرائم الاحداث التي ارتكبت بسبب البطالة (50,7%) من مجموعة مرتكبي جرائم الاحداث قد ارتكبوا جرائمهم بسبب البطالة .
أن اهمال الابوين في متابعة أبنائهم كان من الأسباب المساعدة على انحرافهم في منطقة الدراسة وقد أظهرت بيانات الدراسة أن مانسبتة ( 24,7%) من الاحداث المجرمين يعانون من اهمال واضح من قبل الاسر التي يعيشون في كنفها وينتمون اليها .
بينت الدراسة ان نظم المعلومات (GIS) لها دورا مهما في تحليل الجريمة أذ من خلالها يتم التعرف على تشتت وانتشار الظواهر الاجرامية والاتجاه التوزيعي للجرائم ومركز ثقل الجرائم ومعرفة اكثر النطاقات تسجيلا للجرائم بالإضافة لذلك يمكن معرفة المسافة المعيارية بين مواقع الجرائم في الوحدات الإدارية
.